الرئيسية / التنمية وتقدم المجتمع / السياحة وتنمية المكان

السياحة وتنمية المكان

السياحة وتنمية المكان

أ.د. مضر خليل عمر

قد يستغرب البعض من مصطلح صناعة السياحة Tourism industry  ، فالسياحة بكافة انواعها  تتطلب شيئا من التصنيع (التحوير والتعديل والاضافة) للمرافق التي تتم زيارتها (طبيعية ، تاريخية ، دينية ، علاجية، الخ) لتكون الفائدة اكبر و اوسع و اعمق . وارتبط بالسياحة (عامة) مبدأ التعريف بحضارة و ثقافة وتراث المنطقة التي يتم زيارتها . ولهذا عدت السياحة من وسائل التثقيف والتوعية و التبادل الحضاري بين الشعوب والامم . فالسياحة ليست فقط للترويح عن النفس من تعب الحياة و روتينها الممل وتغيير (المزاج) ، بل هي وسيلة فعالة من وسائل التواصل والتعارف بين الشعوب والامم ، بين الثقافات المختلفة والحضارات المنوعة .

من هذا المنطلق تجاءت اهمية استثمار الامكانات الذاتية للمناطق البعيدة و التي هي بحاجة الى تنمية مكانية خاصة بها ، هنا يجب التركيز على عوامل جذب السياح وذلك باستكمال و توفير وتطوير الامكانات الذاتية  لتعزيز موقع المكان المنشود بين المناطق السياحية (محليا واقليميا و دوليا) . يعني هذا ، توفير مستلزمات الاقامة للعوائل واحتياجات مختلف الاعمار و الهوايات و الرغبات التي لا يتعارض توفيرها مع طبيعة المجتمع المحلي و حضارته . وايضا ان يتم توفيرها لمختلف المستويات الاقتصادية .

زيارتي الاخيرة الى تركيا وتجوالي في ريف طرابزون اوحى لي ان تركيا تعمل جاهدة لتحقيق تنمية مكانية لابعد نقطة يمكن ان تجذب اليها السواح  . فتركيا تزخر بالمعالم التاريخية ، و المرافق السياحية الساحلية ، و الريف الجبلي الجذاب ، والخدمات السياحية متاحة في كل مكان فيها و بمستويات متنوعة . ليس لي اطلاع على سياسة تركيا في دعم السياحة ، ولكني لمست ان العديد من المرافق السياحية تدار من قبل عائلة Family business ، وفي الغالب لا تتطلب راس مال كبير ، وتمثل الصناعات المحلية اليدوية نسبة كبيرة من الخدمات  والسلع التي تقدم للسياح . و وجدت تفاعلا بين السكان و السياح ، وتعاونا عن طيب خاطر .

جغرافيا ، المظهر الطبيعي لحوض البحر الابيض المتوسط (سوريا ، لبنان ، تركيا ، اليونان ، ايطاليا) ان لم يكن واحدا فهو متشابه بدرجة كبيرة (وجود قاسم مشترك اعظم بينها) ، الاختلاف في لمسات الانسان الحضارية و تعامله مع الطبيعة والارث الحضاري التاريخي لابراز حضارته وامكاناته الذاتية من خلال السياحة . وزيارة لاي منها لا تغني عن زيارة البلد الاخر ، فالاماكن لها خصوصيتها ونكهتها الخاصة بها . هذه الخصوصية صنعها سكان المنطقة و بدعم و تحريك و توجيه من الدولة . هنا يبرز دور سياسة التنمية المكانية .  وينطبق هذا على التباين المكاني لحوض البحر الاسود وبحر قزوين و غيرها من المسطحات المائية التي تشاطئها دول متعددة . فبصمات الانسان على الطبيعة هي التي تجذب السياحة اكثر من المظاهر الطبيعية او التاريخية او الدينية .

وفي ويلز ، المملكة المتحدة ، سوق متنقل بين قرى ويلز ، كل يوم في قرية ، يوم الاثنين في قرية (س) و يوم الثلاثاء في قرية ( ص ) و هكذا .  في هذه القرى ساحة خاصة للسوق يعرفها الجميع . ويتنقل الناس وراء هذه الاسواق حسب قربها او الوقت المتاح ، ويصاحب السوق مدينة العاب متنقلة و مسرح وغيرها من وسائل الترفيه والترويح عن النفس . بمعنى تقضي العائلة يوما كاملا مليئا بالنشاط . بهذه الطريقة ادامت حكومة ويلز تنمية مناطقها الريفية ، فالسفر الى هذه الاسواق لاغراض التسوق و التسلية للعائلة باكملها . وفكرة الاسواق المتنقلة معروفة عالميا ، و بعض اماكن الاسواق قد تحولت الى مدن في المغرب العربي (خميس مليانة ، وغيرها) بعد ان استقر تجارها فيها .

يضم العراق اماكن عديدة يمكن استثمارها لاغراض السياحة (طبيعية ، تراثية ، دينية) ولكنها مهملة ، و زوارها بحاجة الى تثقيف وتوعية للحفاظ عليها من التلوث والاندثار .  توفير مستلزمات السياحة و السيطرة عليها وادامتها توفر العمل للكثيرين من ابناء هذه المناطق وتعزز الصلة بين مواطني المحافظات المختلفة . هذه دعوة للاهتمام بالسياحة المحلية و تنمية الاماكن الريفية و النائية لتكون محط انظار السواح والزوار من مختلف المناطق . والله ولي التوفيق .

 

 

عن الدكتور مضر خليل عمر الكيلاني

متقاعد حاليا ، ارحب بكل من يحتاج مساعدة للتعلم واكتساب خبرة في البحث العلمي ، والجغرافيا بشكل خاص ، وكلي استعداد لتقديم يد العون ، لوجه الله .

شاهد أيضاً

مقالات عن ثقافة البحث العلمي

ثقافة البحث العلمي وجهة نظر             تطوير ثقافة البحث ثقافة البحث ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *